يهود على تَلَّة الحِدِّ شَرْقِيَّ مطارِ البحرين!

  


في شمال مدينتنا الحِدِّ على تَلِّ في شرقي المطار ، مكانَ حديقة قلالي قديمًا ( تلٌّ لا وجود له في الواقع! ) يُسرِعُ يهودٌ كأنهم حُمُرٌ مستنفرة في شِدَّةٍ وزلزال ، ترجفُ الأرضُ رجفًا ، وأرى عن يميني كليمَ اللهِ موسى عليه أفضل الصلاة والسلام ، كأنه يقود قومَه كما قادهم أول مرة في التيه ، ومن حوله بنو إسرائيل يركضون في شتات وكأننا نصعد التَّل ، وأرى موسى عليه السلام مِن خلفه : ضخمَ الجسم ، رثَّ الثياب ، ينادي قومه حتى يتبعونه جهةَ الشمال ، وهم يتجهون إلى الناحية الأخرى جهة الغرب ، ويتفلتون عنه ولا يطيعونه وهو يتبعهم ينادي عليهم ، وأنا أقول في نفسي: حتى هنا آذوه ! .. وأرى بجانب التلِّ في غربيِّه سورًا عليه سلالمُ مِن خشب مسندةً على السور في ناحيتنا من خارج المطار ، ومثلها في الجهة الناحية الأخرى من السور داخلَ مطار البحرين ، وأرى بعضَ اليهود الذين يناديهم موسى عليه السلام يصعدون السلالم وهم في صورة الرجال ، وينزلون من الجهة الأخرى ناحية المطار ووجوههم في صورة الخنازير! ..


وأنا أشاهد هذا المنظر كنت أمشي خلف عيسى بن مريم عليه أفضل الصلاة والسلام ، الذي كأنه يريد من قومِه أن يتبعوه أيضا ، يسيرُ إلى أعلى التلِّ وأنا أسيرُ معه محاذيًا له ، أراه رَبعةً معتدلَ القوام ، من أحسن خلقِ اللهِ هيئةً وصورة ، يلبس البياضَ الخالص ، هو كما وصفه لنا صلى الله عليه وآله وسلم: « إِذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَطَرَ، وَإِذَا رَفَعَهُ تَحَدَّرَ مِنْهُ جُمَانٌ كَاللُّؤْلُؤِ » ، شعره إلى شحمة أذنيه ، عليه نورٌ ومهابة ومحبةٌ وسكينة وطمأنينة ، ونحن في خوف وشدة ووجل ...

حتى صعد عيسى عليه السلام أعلى التل وتبعتُه وحدي ولم يبق معنا أحد ، ولا يزال الزلزال مستمرا ، والخوفُ مستمكنًا من قلبي ، فلما بلغَ عيسى عليه السلام أعلى التل وأنا أتبعه جلسَ متربعا ساكنًا وكأن شيئا لم يكن تحت سقفٍ له أربعة أعمدة في زواياه فوق هذا التل ، وأنا واقف عن شماله ، واشتد الزلزال وتشقق علينا السقفُ وعيسى عليه السلام جالس على حاله مطمئنٌ ، ثم سقط عليَّ جزءٌ من السقف فتأخرتُ عنه بسرعةٍ شديدة فما أصابني منه شيء ولله الحمد ، فاستيقظت من نومتي فرحا برؤية أنبياء الله عليهم سلام الله ، خائفا من الحال التي رأيت! ..

رأيت هذه قديمًا لما كنت في المدرسة ، ولا أذكر أنني سألتُ عن تأويل رؤيايَ أحدًا إلا من قريب ، ثم تذكرت أنني وقتئذٍ قصصتُ رؤيايَ على أحد المعارف ؛ فأخبرَ أمَّه بالرؤيا -وكانت ممن يعبر الرؤى- فأخبرني أنه أمه قالت: سيحاول اليهود إيذاءَ الرائي ولكنه يَسْلَمُ مِن أذاهم .. هكذا أخبرني وقتَها فضحكتُ واستبعدتُ الأمرَ ولم أَقنَع بهذا التأويل ، وكنت أقول: ما شأني وشأن اليهود؟ ، ولماذا يحاولون أذيتي أصلا؟ ، ثم أين نحن من اليهود؟! ، وأما اليوم فزالت هذه التساؤلات ، وقلتُ البارحةَ: سبحان اللهِ ؛ ها هم اليهود سيدخلون ديارنا -لا حياهم الله- ، وسينزلون في هذا المطار الذي رأيتهم في شماله ؛ فلا تُستبعد إذن أذيتُهم! ، ومَن يستبعد أذيةَ أهل الغدر والخيانة والكيد؟! ..

ومِن الهموم المستتبعةِ لهذا أني رأيتُ بعضَ بني قومي فرحين مستبشرين باليهود ، ينادونهم: نرحب بإخواننا اليهود ، ويقولون: نحن معكم ، ونسُوا دِينَهم ، وهجروا عقيدةَ الولاء والبراء التي عليها يقوم الإسلام ، ونسوا خيانةَ أعداءِ اللهِ وأعدائهم وغدرهم بأنبيائهم ، ونسوا أن اليهود يرون أنهم أبناء الله وأحبّاؤه ، وأنهم شعب الله المختار ، وأن سائر الناس من غيرهم بهائم ، إنما خُلقوا لأجلهم في خدمتهم! ، ونسوا أن اليهود ما انقطعوا عن قتال إخوانهم المسلمين ، وما زالوا يُهَجِّرونهم ويخرجونهم من ديارهم ويذبحون أبناءهم وينتهكون حرماتهم ، ويدنسون المسجد الأقصى الذي هو ثالث مساجد الإسلام التي تشَدُّ إليها الرحال ، وجهلوا أن الصلح إنما يباحُ لا على وجه الإقرار على الباطل من الاحتلال ، ولا على استمرار الأذى على المسلمين ، وأنه لا يباح إلا إذا كان فيه مصلحة الإسلام وأهله ، لا مصلحة العدوِّ ، ولا مصلحة الاقتصادِ الفاسد من الدعارة والخمور والسياحة المحرّمة ، ولا على التأبيد ، وماتت قلوبهم إذ يمدُّون إليهم يد السلامِ وهم يبصرون إخوانَهم من خلفهم يؤذَون في أوطانهم من قِبَل اليهود ، وجهلوا أن المسلمين كالجسد الواحد ، وأن مصلحة الأمةِ الدينية والدنيوية مقدمةٌ على مصلحة دنيويةٍ شخصيةٍ أو جزئية ...

وهكذا يُرَقَّقُ الدِّينُ وتُطحنُ الثوابتُ والعقائد! وإلى الله المشتكى ..

ثم من الهمومِ أيضا أن يسوِّلَ إبليسُ الرجيمُ للمُتَشرِّعةِ أن يفتحوا بابَ التبريرات والاعتذارات ، وتحليلِ الحرام ، كل هذا باسم الوطنية ، وطاعة ولاة الأمور ، وقد علموا فيما درسوه وحفظوه أنْ « لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق » ، واغترَّ بعضُهم بفهمٍ ساذج -وهم ممن يتعلمون العقيدةَ ، ويتدارسون التوحيدَ طوال حياتهم ؛ فما نفعهم شيئا في هذا الموقف ؛ فإنما يحفظون مسائلَ بلا فهم ولا عمل - يقولون : لا تنكروا هذا الباطل ، ولا تبينوا للناس عقائدهم ، وحُجَّتُهم في ذلك أنّ الإنكارَ على الولاةِ لا يكون علنا! .. وهذا حقٌّ في الجملة ، فمن كان يُهيِّجُ الناسَ ويدعو إلى منازعة ولاةِ الجَور ؛ فهو على غير سُنّةٍ ؛ لأن مفاسدَ الخروجِ عليهم أعظم من مفاسد الصبر عليهم كما هو مشاهد ومجرَّبٌ في كل زمان ومكان ، وآخر ما شاهدنا ما كان في الخريف العربي ..

ولكن هذا لا يعني أن نجعلَ الخيانةَ محل نظر وبحث ، ولا أن نسكت عن بيان الاعتقاد الصحيح والمنهج السليم ، ولا أن ننكر المنكرات عموما ، والمقصودُ بالإنكار والبيان هو الحفاظُ على عقيدة الأمةِ التي حُرِّفَتْ وبدِّلت بسبب دعاةِ الضلالة ، وبتدبير أهل الجهالة ؛ فإذا سكتَ الجميع عن بيان الحقِّ ظنَّ الناسُ أن خيانةَ المسلمين أمر هيِّنٌ جائز ، بل اعتقدوه هدى وحقًّا ، وأن اليهود إخوان لنا حقا كما شاهدناه من كثير من الناس المصرحين بهذا! ..

ولقد كان من هدي أئمة السلف بيان المنكر والرد عليه وعلى أهله وإن تلبَّسَ به السلطانُ ، ولكم في محنة الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله- أوضح شاهد ؛ فكان -رحمه الله- يُصرِّح ببطلان عقيدة المعتزلة ، وينكر جهارا على من قال: إن القرآن مخلوق ، ويصرِّحُ بكفرِ هذه المقالة ، وكان الداعي إليها والقائم بنشرها هو خليفة المسلمين في زمانه ، وقد جرى له في ذلك من المحن ما اشتهر ولا يخفى ، ولم يمنعه تلبُّس الخليفة بهذه البدعة ودعوته إليها من الجهر ببطلانها وفسادها وتكفير معتقدها دون التعرُّضِ لشخص الخليفة ؛ إنما هو بيانٌ عامٌّ  للاعتقاد الصحيح ، وتحذيرٌ للأمة من الانجرار في الفتنة وإن كان القائم بها هو خليفة المسلمين ، وخوفٌ على عقائد الناس وصيانة لها من التبديل ؛ لأن سطوة السلطان مع إقرار العلماء يوهم العامّةَ بأن القضيةَ حقَّةٌ -كما يحصل الآن وحصل فيما مضى- ، ولا تُحمى عقائد المسلمين إلا بالقيام بواجب النصيحة والبيان ، وإذا سكتَ الساكتون عن كلِّ منكر تلبَّسَ به السلطان ؛ فسيُبدل الدينُ وتحرَّفُ الشريعة ، وسيصير الحقُّ باطلا والباطلُ حقًّا ، ولقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وآله وسلم بالأمراء الذين يبدلون الحقائق ، وأخبرنا بأن الأمر سيوسد إلى غير أهله ؛ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: « إِنَّهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أَئِمَّةٌ تَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ ". فَقِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نُقَاتِلُهُمْ ؟ قَالَ : " لَا مَا صَلَّوْا " » ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: « إِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ، فَتَعْرِفُونَ وَتُنْكِرُونَ، فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ، وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ، وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ ". قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلَا نُقَاتِلُهُمْ ؟ قَالَ : " لَا، مَا صَلَّوْا " » ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: « سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَأْمُرُونَكُمْ بِمَا لَا يَفْعَلُونَ، فَمَنْ صَدَّقَهُمْ بِكِذْبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ، فَلَيْسَ مِنِّي، وَلَسْتُ مِنْهُ، وَلَنْ يَرِدَ عَلَيَّ الْحَوْضَ » ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: « إِذَا ضُيِّعَتِ الْأَمَانَةُ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ ". قيلَ : كَيْفَ إِضَاعَتُهَا ؟ قَالَ : " إِذَا وُسِّدَ الْأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرِ السَّاعَةَ » ، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: « يَكُونُ بَعْدِي أَئِمَّةٌ لَا يَهْتَدُونَ بِهُدَايَ، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِي جُثْمَانِ إِنْسٍ ". قَالَ : قُلْتُ : كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ ؟ قَالَ : " تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلْأَمِيرِ، وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ، وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ ». وغيرها من الأحاديث الواضحة الصريحة ..

ولقد جاءت النصوص الشرعية ومقولات السلف تبيح الإنكار على الأمراء في وجوههم ، وتنهى عن الخروج عليهم والإثارة عليهم ، وهي مع ذلك تدعو إلى إنكار المنكرات الظاهرة وبيان خطئها ، ووجهُ ذلك أن لا يُنكَر على شخص الأمير ويثار عليه ويدعى إلى ترك بيعته ، ولكن يباح بيان الحقِّ للناس عمومًا حتى لا يزلوا ويضلوا وإن كان واقعَه الأمير ؛ فلو كان الأمير شاربا للخمر بائعا له ، فإنه ينهى ويحذر وينكر هذا المنكر بعمومه ، ببيان حرمة الخمر وضررها ولعن بائعها وشاربها دون التعرض لشخص الأمير ؛ لأن في التعرض له فتنة وفساد أكبر من مصلحة الإنكار ؛ فإن كان الإنكار عاما دون التعرض للأشخاص ؛ فإن هذا هو عمل السلف الصالح فيما نراه ونحسبه ، وقد قال عبادة بن الصامت -رضي الله عنه-: « بَايَعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَنْشَطِ وَالْمَكْرَهِ ، وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَأَنْ نَقُومَ - أَوْ نَقُولَ - بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا، لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ » .. هذا والله تعالى أعلم ، وهو الولي أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه ، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه ..

تعليقات

  1. لا إله إلا الله .. وإنا لله وإنا إليه راجعون.
    نسأل الله الثبات والعفو والعافية

    أخي .. يوجد هنا خطأ مطبعي
    "وهكذا يُرَقَّقُ الدِّينُ وتُطحنُ الثوابتُ والعقائد! وإلى (البه) المشتكى .."
    وهنا خطأ نحوي ..
    "ثم من الهمومِ أيضا أن (يسوِّلُ) إبليسُ".

    بوركت، ورزقك الله أجر المجاهد بكلمته، وثبّتك على التوحيد.

    ردحذف
  2. السلام عليكم
    اسمح لي يا أستاذ أن أناقش نقطة واحدة في مقالك هذا بأدب .. وهي نقطة المصحلة، ألا ترى أن مقالك كله مبني على نفي المصلحة في موضوع اليهود؟ على أي أساس قررت عدم وجود المصلحة؟ ولي الأمر عنده المستشارين في كل المجالات حتى الدينية، وهو من يستطيع تقدير المصلحة بشكل دقيق وأما الأفراد ـ وأنت منهم ـ فلا يمكنهم ذلك لأنهم لا يستطيعون الحصول على المشورة من جميع أهل الاختصاص .. لذلك أرى أن مقالك كله يتهاوى إذا قدرنا أن المصلحة متحققة، وعلى أضعف الأحوال لا يمكننا ترجيح نفي المصحلة على وجودها لمجرد مقالك هذا .. وإن كنا نشرك على الغيرة الظاهرة في المقال لكنها وللأسف في غير محلها، وهذا مجرد رأي.

    ردحذف
    الردود
    1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ، المراد بالمصلحة في كلام الفقهاء هي المصلحة الدينية ، وولاتنا لا نظر لهم في المصلحة الدينية ، ومعظم تعاونهم في السياحة المبنية كلها على الحرام ، ثم المصلحة لا تقتضي المودة التي نراهم يظهرونها ولا يخفونها ، ولا تُنقض عرى العقيدة للمصلحة ، والمصالح السياسية والاقتصادية والشرعية لم تعد شيئا خفيا يراه ناسٌ دون ناس ، بل هي أمور ظاهرة يعرفها أهل الاختصاص في كل فن ، وكلامهم فيها منشور معلوم واضح ، ومن عرف واطّلع أدرى بمن لم يطلع بمقدار معرفته واطلاعه ..

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة