انتظاراتٌ جَرَّبُتها وانتظاراتٌ لم أُجرِّبْها! ..


كثيرًا ما ذكرتُ الانتظار في عذابات الدنيا ومُنغِّصاتِ الحياةِ ، ولكني وجدتُ في بعضِ الانتظاراتِ التي جرَّبْتُ والتي لم أُجرِّبْ : لذةً فيما أحسب ، ولربما كان في بعضها مزيجُ لذةٍ ورهبةٍ وتَشَوُّقٍ! .. فأنا لم أجرب لحظةَ قرارٍ حاسمٍ فاصلٍ في أمرٍ مصيري ، ولا انتظار لحظةَ انتظارِ حبيبٍ غابَ طويلًا ، ولا جرَّبتُ انتظارَ علاجٍ أو عمليةٍ لمرض شديد ، ولم أجربّ انتظارَ رؤيةِ مخطوبةٍ ، ولا انتظار مولودٍ! .. وهل جربتُ انتظارَ الآخرةِ وموافاةِ الأجل! ... لست أدري! .. لست أدري هل ما أعيشه هو شعور انتظارها -أعني الآخرة- ، أو أني غافلٌ لا انتظر .. نعم هناك لحظات تشعر فيها باجتماع فكرك في أمرها ، في أمر لقاء الله عز وجل .. نعم هناك لذة في الشوق إلى لقاء الله عز وجل كما كان يسألها نبينا الحبيب صلى الله عليه وآله وسلم إذ يقول في دعائه: « وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ » ، وفي الشوقِ انتظارٌ ولا بُدَّ ، ولو كان في هذا الانتظار عذاب ؛ لَما سأله النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم ، والمرءُ لا يسأل إلا ما فيه خيرٌ ولذة له ؛ فلا شك أن في انتظار لقاء الله للمؤمنين لذةً ؛ فهذا انتظار لا عذاب فيه .. ومن انتظارات العذاب التي لم يجربها أحدٌ من العالمين بعدُ : انتظار الحساب يوم القيامة ، حتى يَعظُمَ على الناس الخطْبُ فيقصِدوا أنبياءَ الله واحدًا بعد واحدٍ حتى يشفعوا عند الله لتفريج الشدة والكرب ؛ فيفرجها الله بنبينا صلى الله عليه وآله وسلم .. أما الانتظارات التي جربتُها فلا حصر لها : منها انتظارات الزحام وإشارة المرور التي تخنقك فلا أنت حر ولا طليق ، وجربت انتظار موعدٍ صاحبُه لا يَفِي ؛ يعدك في الثامنة ويأتيك في الثامنة والنصف ، وانتظار اتصالات ، وانتظار رسالة تحمل خبرًا مهمًّا حتى إني لأُصَلِّي وأدعو أن تكون على ما يتمنى القلبُ ، وانتظار طلباتِ الطعام ، وانتظار جوابِ سؤالاتٍ أطرحها ، وانتظار درسٍ ممتع أو درس ممل ، ولكلٍّ شعورٌ مختلف ، وجربت انتظار إجازة تنفس فيها عن النفس بعد عناء -وما  عانيت في حياتي كثيرًا ولله الفضل وحده ، وجربت انتظار درجة أخشى أن تكون على غير ما أحب ، وجربت انتظار قدوم محبوبٍ بين قوم بغيضين أو لا أحبِّذُهم .. ومما جربتُ من الانتظارات: انتظار نفسي حتى تستجمع فِكرَتها فتفكر! ، قد أنتظرها مستلقيا على ظهري واضعا إحدى رجلي على الأخرى ساعة وزيادة ، أستغفر وأحوقل وأسبح وأترقب النفسَ حتى تستطيع استجماعَ فكرتها في موضوع يُشغلُ البالَ ، وانتظار الخاطر حتى يستيقظ ، وانتظار الهمة حتى تنهض ، وانتظار مرورِ زمنٍ يُنسِي بعضَ ما لا يُنسى ... وغيرها كثير .. هذه خاطرة أوحاها انتظارٌ من هذه الانتظارات كتبتها في بعض آثار الانتظار وأسبابه ، أجدفُ في فهمِ شعورِ النفوس تجاهه ، وهي خاطرةٌ هَذْرِيَّةٌ لا كبيرَ فائدة فيها ؛ فاعذُرني يا قارئَ كلامي إن جعلتُك تنتظر أن يأتيك في كلامي ما يشبع نهمتَك في المعرفة أو ما ينفعك ؛ فإني أقطعُ انتظارَك بهذه النقطة .

تعليقات

المشاركات الشائعة